فصل: 289- باب مَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.288- باب تحريم الرياء:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
أي: ما أُمروا إلا بإخلاص العبادة لله، موحدين حنفاء، مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإِسلام، ويقيموا الصلاة المكتوبة في أوقاتها، ويؤتوا الزكاة عند محلها، وذلك الذي أُمروا به.
{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، أي: الملة والشرعية المستقيمة.
وقال تَعَالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264].
أي: لا تبطلوا أجور صدقاتكم بالمَنِّ والأذى، كما تبطل صدقة من راءي بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له.
{وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 264]، يريد أنَّ الرياء يبطل الصدقة، ولا تكون النفقة مع الرياء من فعل المؤمنين.
ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي فقال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].
وفيه: إيماء إلى أنَّ الرياء من صفة الكفار، فعلى المؤمن أن يحذر منها.
وقال تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 142].
قال ابن كثير: يراؤون الناس: أي: لا إخلاص لهم، ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة، ولهذا يتخلَّفون كثيرًا عن الصلاة، التي لا يُرون فيها غالبًا، كصلاة العشاء، وصلاة الصبح.
وقوله: {وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلًا} [البقرة: 142]، أي: في صلاتهم لا يخشعون، ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون، وعما يراد بهم من الخير معرضون.
وروى الإِمام أحمد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس فيرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا».
1616- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «قَالَ الله تَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». رواه مسلم.
فيه: أن الرياء من الشرك، وهو يحبط ثواب العمل الذي قارنه.
1617- وعنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أَولَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ! فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ.
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قال: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ! وَقَرَأتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ.
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأعْطاهُ مِنْ أصْنَافِ المَالِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قال: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلا أنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ! فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ»
. رواه مسلم.
«جَرِيءٌ» بفتح الجيم وكسر الراء والمد: أيْ شُجَاعٌ حَاذِقٌ.
يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].
1618- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن نَاسًا قَالُوا لَهُ: إنَّا نَدْخُلُ عَلَى سَلاَطِيننَا فَنَقُولُ لَهُمْ بِخِلاَفِ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ؟ قَالَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفاقًا عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
قال البخاري: باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك. وذكر الحديث. وحديث أبي هريرة: «إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه».
قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لأن حاله حال المنافق. إذ هو متملق بالباطل وبالكذب، ومدخلٌ للفساد بين الناس.
1619- وعن جُندب بن عبد اللهِ بن سفيان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ، وَمَنْ يُرائِي يُرائي اللهُ بِهِ». متفق عَلَيْهِ.
ورواه مسلم أَيضًا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
«سَمَّعَ» بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رِياءً. «سَمَّعَ اللهُ بِهِ» أيْ: فَضَحَهُ يَومَ القِيَامَةِ. ومعنى: «مَنْ رَاءى» أيْ: مَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ العَمَلَ الصَّالِحَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهُمْ. «رَاءى اللهُ بِهِ» أيْ: أظْهَرَ سَرِيرَتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ.
قال الحافظ: ولابن المبارك من حديث ابن مسعود: «من سمّع سمَّع الله به، ومن رَاءى رَءاى الله به، ومن تطاول تعاظمًا خفضه الله، ومن تواضع تخشعًا رفعه الله».
وفي الحديث: استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة.
قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل، مَنْ يظهره ليقتدى به، أو لينتفع به ككتابة العلم.
ومنه حديث: «لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي».
قال الطبري: كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم، ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم.
قال: فمن كان إمامًا يستن بعمله، عالمًا بما لله عليه، قاهرًا لشيطانه، استوى ما ظهر من عمله وما خفي، لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل. وعلى ذلك جرى عمل السلف.
فمن الأول: حديث أنس قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال: «إنه أواب». قال: فإذا هو المقداد بن الأسود. أخرجه الطبري.
ومن الثاني: حديث أبي هرير قال: قام رجل يصلي فجهر بالقراءة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسمعْني وأسْمِع ربك». أخرجه أحمد.
1620- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ عز وجل لا يَتَعَلَّمُهُ إِلا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ» يَعْنِي: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ والأحاديث في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.
فيه: وعيد شديد لمن تعلم العلم الشرعي لأجل الدنيا فقط.

.289- باب مَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء:

1621- وعن أَبي ذرٍ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أرَأيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: أنّ مَنْ أخلص العمل لله تعالى أطلق الله الألسنة بالثناء عليه، وأنه من جملة أولياء الله عزَّ وجلّ.
قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62، 64].

.290- باب تحريم النظر إِلَى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية:

قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ لِلمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30].
قال ابن كثير: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عمَّا حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلا لما أباح لهم النظر إليه، وأنْ يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا. كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أنْ أصرف بصري.
وقال تَعَالَى: {إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
أي: يسأل المرء عن سمعه، وبصره، وفؤاده.
وفي الحديث: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من شر سمعي، وشر بصري، وشر لساني، وشر قلبي، وشر منيِّي».
وقال تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتَهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به، وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ودَّ أنْ لو اطلع على فرجها.
وقال تَعَالَى: {إنَّ رَبكَ لَبِالمِرْصَادِ} [الفجر: 14].
قال ابن عباس: يعني بحيث يرى، ويسمع، ويبصر ما تقول، وتفعل، وتهجس به العباد.
قال ابن كثير: يعني يرصد خلقه فيما يعملون ويجازي كلًا بعمله في الدنيا والأُخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه، فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلًا بما يستحقه،، وهو المنزَّه عن الظلم والجور.
1622- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْن آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكُ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ: العَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِناهُ الكَلاَمُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا، والقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ». متفق عَلَيْهِ. هَذَا لفظ مسلمٍ، ورواية البخاري مختصرَةٌ.
قال ابن بطال: كل ما كتب الله على العبد وسبق في علمه القديم فلا يستطيع العبد من دفعه، إلا أنه يُلام إذا وقع فيما نهى الله عنه؛ لأن الله نهاه عن المحرمات، وأقدره على اجتنابها والتمسك بالطاعة، فلما وقع في المحرم الممنوع منه وقع في اللَّوْم.
قوله: «العينان زناها النظر...» إلخ. قال ابن بطال: أطلق على كل مما ذكر (زنًى) لكونه من دواعيه، وذلك كله من اللمم الذي تفضل الله بغفره إذا لم يكن للفرج تصديق بها، فإذا صدق الفرج كان ذلك كبيرة.
1623- وعن أَبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إيّاكُمْ والجُلُوس فِي الطُّرُقَاتِ»! قالوا: يَا رسولَ الله، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَإذَا أبَيْتُمْ إِلا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ اللهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، والأمرُ بالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عنِ المُنْكَرِ». متفق عَلَيْهِ.
1624- وعن أَبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا قُعُودًا بالأفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَجَاءَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وَلِمَجَالسِ الصُّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ» فقُلْنَا: إنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأسٍ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ، وَنَتَحَدَّثُ. قَالَ: «إمَّا لا فَأَدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ البَصَرِ، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَحُسْنُ الكَلاَمِ». رواه مسلم.
«الصُّعُدات» بضمِ الصاد والعين: أيْ الطُّرقَاتِ.
في هذا الحديث: استحباب ترك الجلوس في الطريق، وأن من جلس فعليه القيام بما ذكر من غض البصر عما لا يحل نظره، وكف الأذى بفعل أو قول، وإذا رأى ما يعجبه فليقل: ما شاء الله. ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وورد في بعض الأحاديث زيادات على ذلك، وجمعها بعض العلماء في أبيات، فقال:
جمعت آداب من رام الجلوس على الـ ** طريق من قول خير الخلق إنسانا

أفشِ السلام، وأحسن في الكلام ** وشَمِّت عاطسًا وسلامًا رُدَّ إحسانا

في العمل عاون ومظلومًا أعنْ وأغث ** لهفانَ اهدِ سبيلًا واهد حيرانا

بالعرف مر وانْه عن منكر وكف أذى ** وغضّ طرفًا وأكثر ذكر مولانا

1625- وعن جرير رضي الله عنه قَالَ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نَظَرِ الفَجْأَةِ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ». رواه مسلم.
الفجأة: البغتة من غير قصد إلى النظر.
وروى أبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة».
1626- وعن أُم سَلَمَة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: كنتُ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندهُ مَيْمُونَة، فَأقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أنْ أُمِرْنَا بِالحِجَابِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «احْتَجِبَا مِنْهُ» فَقُلْنَا: يَا رسولَ اللهِ، ألَيْسَ هُوَ أعْمَى! لا يُبْصِرُنَا، وَلا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أفَعَمْيَاوَانِ أنتُما أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟»!. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
قال الشارح: فيه مبالغة في الستر لأمهات المؤمنين، لكريم مقامهن رضي الله عنهن. أما غيرهن من النساء فلا يجب عليها الحجاب لحضور الأعمى، وإنما حرم عليها النظر إليه إذا كان أجنبيًّا منها، ونظرُ عائشة إلى لعب الحبشة في المسجد، لم يكن لأبدانهم إنما هو للعبهم وآلاتهم.
1627- وعن أَبي سعيد رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضي المَرْأةُ إِلَى المَرْأَةِ في الثَّوْبِ الواحِدِ». رواه مسلم.
فيه: تحريم النظر إلى العورات، ولو مع اتحاد الجنس، وكذا المباشرة.